دولة يهودية أم "إسرائيلية"؟
د. فوزي الأسمر
تصر “إسرائيل” أن يعترف بها الفلسطينيون (والعرب مستقبلاً) ك”دولة
يهودية” و”بحقها في الوجود”. وهذا الإصرار هو جزء من مسيرتها التاريخية في كل مرة
تستعد بها للمشاركة في مؤتمر يتعلق بالحقوق الفلسطينية ومناقشة مستقبل الصراع
الفلسطيني “الإسرائيلي”.
واليوم تخرج “إسرائيل” كعادتها بشروط مسبقة داعية الى الاعتراف بحقها
بالوجود كدولة يهودية، الشيء الذي يثير التساؤل عند بعضاً، وهذا التساؤل في مكانه
فكل دول العالم تعترف ببعضها بعضاً بشكل روتيني من دون إضافة “الاعتراف بحقها
بالوجود” أو الاعتراف بها كدولة إسلامية أو مسيحية أو حتى علمانية. ولكن مطالب
“إسرائيل” هذه تشير الى أن وراء الأكمة ما وراءها.
هناك رفض فلسطيني وعربي لمثل هذه الإصلاحات، وبحق ما معنى “دولة
يهودية؟”. من منطلق عربي فإن ذلك يعني أن الدولة قائمة على أساس ديني حولته
الصهيونية الى أيديولوجية سياسية. فتحت هذا البند يكمن حق اليهود المطلق والوحيد
على “أرض إسرائيل”، أي لا يمكن أن تكون هناك سيادة غير يهودية عليها أو على جزء
منها. وقد أصبح واضحاً الآن أنه من دون الاعتراف بسيادة غير يهودية على الأقل على
جزء من أرض فلسطين التاريخية، فإن كل الجهود السياسية والدبلوماسية التي ستبذل
ستذهب هباءً وتبقى القوة هي الحاكم الوحيد في هذا الصراع.
ومن الناحية الثانية معنى ذلك أن القوانين التي ستحكم هذا البلد
ستكون منبثقة من الدين اليهودي، وبالتالي فإنها ستميز سلبياً غير اليهود الذين
يعيشون فيها وسيكونون مواطنين من الدرجة الثانية. كما هو الحال الآن بالنسبة الى
20 في المائة من السكان العرب الذين يعيشون في “إسرائيل”. وربما هذا هو السبب الذي
يمنع “إسرائيل” من وضع دستور للبلاد.
وأخيراً “دولة يهودية” معناها انها ستكون مفتوحة أمام كل اليهود في
العالم. فقد برهن التاريخ القصير لهذه الدولة ان الهجرة اليهودية اليها تكون
دائماً على حساب الفلسطينيين.
أما “الحق بالوجود” فهو جزء متمم لهذه المسرحية السياسية. الحق
بالوجود هو من حق كل شعب وأمة تعيش ضمن حدود معترف بها. وعندما تطلب “إسرائيل” من
الفلسطينيين الاعتراف بحقها بالوجود، يقفز الى حيز الواقع السؤال: أي “إسرائيل”؟
وأين حدود وجودها؟
منذ سنوات طوال والعرب يطالبون بأن تحدد “إسرائيل” حدودها، وفي كل
مرة يثار سؤال الاعتراف ب”اسرائيل” يتبعه سؤال آخر أي “اسرائيل” هذه؟ أين حدودها؟ وهل
من المعقول أن يكون الاعتراف مطلقاً من دون تحديد الحدود؟
وتحديد الحدود معناه أن “إسرائيل” قد وافقت على أن تكون “دولة
إسرائيلية” لجميع مواطنيها، وهو أمر يحتاج الى تغيير في تفكيرها الأيديولوجي، أي
في تفكيرها الصهيوني وهي غير مستعدة لذلك، على الرغم من بروز بعض الأصوات اليهودية
التي تنادي بمثل هذا التغيير.
“إسرائيل” واعية لهذه النقطة. فالمطالبة بالاعتراف “بحقها بالوجود”
معناه أنها تطالب الفلسطينيين والعرب بالاعتراف بها عند الحدود التي تتواجد عندها.
وهذا لا يعني، في منظورها التوسعي، أن وجودها الحالي ليس نهاية الأمر. فبنظرة
سريعة الى الوراء نستطيع أن نلاحظ كيف أن هذه الحدود تغيرت عدة مرات منذ قرار
التقسيم الذي أقرته الأمم المتحدة كحل للقضية الفلسطينية في عام 1947.